Thursday, March 22, 2012

هل أنت صادق ؟


هل أنت صادق ؟ 

 



سؤال سوف يجيب عليه الكل بنعم .. فكل واحد يتصور أنه صادق و انه لا يكذب .. و قد يعترف أحدهم بكذبة أو بكذبتين و يعتبر نفسه بلغ الغاية منالدقة و الصراحة مع النفس و انه أدلى بحقيقة لا تقبل مراجعة و مع ذلك فدعونا نراجع معا هذا الإدعاء العريض و سوف نكتشف أن الصدق شيء نادر جدا .. و أن الصادق الحقيقي يكاد يكون غير موجود و أكثرنا في الواقع مغشوش في نفسه حينما يتصور انه من أهل الصدق بل إننا نبدأ في الكذب من لحظة أن نتيقظ في الصباح و قبل أن نفتح فمنا بكلمة أحيانا تكون مجرد تسريحة الشعر التي نختارها كذبة الكهل الذي يسرح شعره خنافس ليبدو أصغر من سنه يكذب , و المرأة العجوز التي تصبغ شعرها لتبدو أصغر من سنها تكذب و الباروكة على رأس الأصلع كذبة و طقم الأسنان في فم الأهتم كذبة  و البدلة السبور الخفيفة التي تخفي تحتها فانلة صوف كذبة و الكورسيه و المشدات حول البطن المترهلة كذبة و  المكياج الذي يحاول صاحبه إن يخفي به التجاعيد هو نوع آخر من الكذب الصامت و البودرة و الأحمر و الكحل و الريميل والرموش الصناعية .. كلها أكاذيب ينطق بها لسان الحال

قبل أن يفتح الواحد منا فمه و يتكلم بل إن مجرد ضفيرة المدارس على رأس بنت الثلاثين كذبة و اللبانة في فم رجل كهل هي كذبة أكثر وقاحة كل هذا و لم يبدأ اللسان ينطق و لم يفتح الفم بعد فإذا فتح الواحد منا فمه و قال صباح الخير .. فإنه يقولها على سبيل العرف و العادة .. لم ينوي له الخير و لم ينوي له الشر .. فهو يكذب .. و هو يقرأالسلام على من يبيت له العدوان .. فهو يكذب فإذا رفع سماعة التلفون مضى يطلب ما لا يريد من الأشياء لمجرد أنها مظاهر و مجاملات .. فهو يكذب .. و قد يرفض ما يريد خجلا و ادعاء .. فهويكذب و الولد و البنت يتكلمان طوال ساعتين في كل شيء إلا ما يتحرقان شوقا إلى أن يتصارحا به .. فهما يكذبان و فتاة البار تبدؤك الحديث بالحب و هو لا يخطر لها على بال و لا تشغلها سوى حافظة نقودك . و كم زجاجة من الشمبانيا ستفتح لها و الإعلان الذي يصف لك نكهة السيجارة و فوائدها الصحية يكذب عليك و الإعلان الذي يقول لك إن قرص الإسبرين يشفي من الإنفلونزا كذب حتى بالقياس إلى علم الأدوية ذاته و كل ما يدور في عالم البيع و الشراء يبدأ بالكذب و صورة لاعب التنس في يده زجاجة ويسمي و صورة الأسد الذي يحتضن زجاجة الكينا .. و بطل الجري الذي يدخن سيجارة فرجينيا كلها صنوف من الأكاذيب الظريفة التي تراها ملصقة على الجدران و على أغلفة الصحف وفي إعلانات السينما و التلفزيون و كأنما أصبح الكذب عرفا تجاريا لا لومعليه و في عالم السياسة و السياسيين و في أروقة الأمم المتحدة و على أفواه الدبلوماسيين نجد أن الكذب هو القاعدة بل إن فن الدبلوماسية الرفيع هو كيف تستطيع أن تجعل الكذب يبدو كالصدق .. و كيف تقول ما لا تعني .. و كيف تخفي ما تريد .. و كيف تحب ما تكره .. و كيف تكره ما تحب و أذكر بهذه المناسبة النكتة التي رويت عن تشرشل حينما رأى شاهدة مقبرة مكتوبا عليها ..((هنا يرقد الرجل الصادق و السياسي العظيم)) فقال ضاحكا : هذه أول مرة أرى فيها رجلين يدفنان في تابوت واحد فلم يكن من الممكن إطلاقا في نظر تشرشل أن يكون الرجل الصادق والسياسي العظيم رجلا واحدا .. إذ أن أول مؤهلات العظمة السياسية في نظر تشرشل هو الكذب و شرط السياسة هو أن تخفي الحقيقة لحساب المصلحة .. و تتأخر العاطفة لتتقدم الحيلة .. و الفطنة .. و الذكاء .. و المراوغة و الدبلوماسي الذي يجاهر بعاطفته هو دبلوماسي أبله .. بل إنه لا يكون دبلوماسيا على الإطلاق و في عالم الدين و دنيا العبادات يطل الكذب الخفي من وراء الطقوس والمراسيم شهر الصيام الذي هو امتناع عن الأكل يتحول إلى شهر أكل فتظهر المشهيات و الحلويات و المخللات و المتبلات .. من كنافة إلى مشمشية إلى قطايف إلى مكسرات و يرتفع استهلاك اللحم في شهر رمضان فتقول لنا الإحصاءات بالأرقام إنه يصل إلى الضعف و يصبح شهر رمضان هو شهر الصواني و الطواجن و بين كل مائة مصل أكثر من تسعين يقفون بين يدي الله و هم شاردون مشغولون بصوالحهم الدنيوية يعبدون الله وهم في الحقيقة يعبدونمصالحهم و أغراضهم و يركعون الركعة لتقضى لهم هذه المصالح والأغراض و قد عاش بابوات القرون الوسطى في ترف الملوك و السلاطين و سبحوا في الذهب و الحرير و السلطة و النفوذ , و امتلكوا الإقطاعيات و القصور باسم الدين و باسم الإنجيل الذي يقول إن الغنى لن يدخل ملكوت الله إلا إذا دخل الجمل في ثقب الإبرة بأنهم تصوروا أنهم امتلكوا الجنة فباعوها صكوكا لطالبي الغفران.

0 comments:

Post a Comment