Saturday, April 14, 2012

لماذا يوجد في العالم أكثر من مليار جائع


وجد في عالم اليوم 1.3 مليار إنسان يعيشون تحت خط الفقر. ولكن يوجد أيضا 380 مليون نسمة هم عدد مواطني الاتحاد الأوروبي يستهلكون من الغذاء ثلث ما يصنعوه ويلقون بالثلثين الباقيين في سلة القمامة.
وفي بقية العالم يجري إلقاء ربع كمية الغذاء في الفضلات.
وعلى سبيل المثال، ففي منطقة Wallonie في بلجيكا كل سنة يلقي كل مواطن ما بين 15 و 20 كيلوغراما من المواد الغذائية في الفضلات وهذه المواد قابلة للاستهلاك. ويلقي المواطن المواد الغذائية بمعدّل 6.2 مرة في الأسبوع وتتمثل هذه المواد في بقايا الغذاء المطبوخ وبقايا الغذاء الصناعي الجاهز والمعلب والمواد الغذائية التي لم يقع تناولها ووقع تجاوز الفترة المحددة لاستهلاكها.
لكن لا يقتصر التبذير على العائلات والمواطنين بل يتجاوزه إلى المطاعم والمتاجر والمساحات التجارية الكبرى والمدارس والمعاهد والمطاعم والمصانع.
في بريطانيا أثبتت دراسة في سنة 2005 أن التبذير عملية متواصلة على امتداد السلسلة الغذائية بدءا من القطف والحصاد (30 إلى 40 بالمائة يقع إتلافها في كل سنة بما أن هذه المواد الغذائية لا تخضع للمواصفات التي تفرضها الصناعات الغذائية و المساحات التجارية الكبرى).
نضيف لذلك التبذير في مستوى تحويل المواد الغذائية والإعداد السريع للطعام العصري حيث يقع إتلاف ما يقارب ثلث الغذاء.
في المساحات التجارية الكبرى كل سنة يقع إلقاء نصف مليار من الأطنان من المواد الغذائية غير المستهلكة أو التي لم يقع بيعها. أخيرا يأتي دور العائلة التي تبذر كميات تفوق ما تبذره كل المساحات التجارية.
يبذر مواطن مدينة لندن معدل 140 كيلوغراما من المواد الغذائية في السنة. في بروكسل تبذر العائلات 15 ألف طنا من الغذاء في السنة. أن نبذر خبزة فيعني ذلك أن نضيء فانوسا بقوة 60 وات (watt) لمدة 32 ساعة. أما إذا بذرنا قطعة لحم 200 غرام (ستاك من لحم البقر) فيعادل ذلك إضاءة نفس الفانوسة لمدة 70 ساعة.
إذن يساهم هذا التبذير في الاحتباس الحراري وسخونة المناخ.
في الولايات المتحدة الأميركية 30 بالمائة من الغذاء يذهب في حاويات الفضلات وتقدر تكاليفه 48 مليار دولارا في السنة. تلقي كل عائلة في الولايات المتحدة الأميركية معدل 60 كيلوغراما من الغذاء في الشهر أي معدل نصف كيلوغراما في اليوم وبالنسبة للفرد الواحد.

ما هي أسباب هذا التبذير؟
في البلدان المصنعة وفي المواقع الحضرية ببلدان الجنوب يعود السبب الرئيسي لهذا التبذير لتغيير أنماط الغذاء وهيمنة التغذية الصناعية من ناحية والتغيير الهيكلي للعائلة. فنصف المواطنين لا يعلمون مسبقا عدد الأفراد الذين سيتناولون الغداء. كذلك فان التخوف من تسمم الغذاء الصناعي وتجاوز تاريخ الاستهلاك ومدة صلاحيته وعدم القدرة على التصرف في كمية الغذاء في الثلاجات وعدم القدرة على تحديد الكمية الضرورية من الغذاء في المطاعم والمصانع والمدارس، كلها تساهم في تبذير الغذاء.
يتسبب الإنتاج الصناعي للمواد الزراعية والغذائية ونقلها وتبذيرها في 30 بالمائة من التأثيرات البيئية السلبية وذلك حسب اللجنة الأوروبية كما يتسبب ذلك في 20 بالمائة من التغييرات المناخية.
تصنيع الغذاء وإضافة مواد مصنعة ولفه ونقله وتوزيعه، هي عمليات معقدة تتسبب في هذا التبذير الهائل للمواد الغذائية ولن تجد النصائح على الحد منه لان المسألة هيكلية ولا تقتصر على مجرد تغيير في سلوك المواطنين.
تبذير السمك هو وجه آخر لتبذير المواد الغذائية. ويعرف إنتاج السمك في العالم تراجعا ملحوظا ناتجا عن الاستغلال المشط لمصادر البحار. لكن ما يعمق هذه الظاهرة هو تبذير السمك. ففي كل سنة يقع إلقاء 7.3 مليون طنا من الأسماك التي يقع صيدها في البحر وتبلغ هذه الكمية 8 بالمائة من السمك الذي يقع صيده.
هناك علاقة مباشرة بين تبذير المواد الغذائية وتبذير الماء. مواطنان من عشر في العالم لا يتمتعون بالماء الصالح للشراب. أثبت المعهد العالمي للماء (SIWI) أن نصف كمية الماء التي يقع استعمالها في الفلاحة يقع تبذيرها. إذا علمنا أن الفلاحة تستهلك 90 بالمائة من الماء الصالح للشراب فان الكمية الجملية للماء التي يقع تبذيرها تبلغ 45 بالمائة. يعود هذا التبذير للممارسات الزراعية الخاطئة وبالأخص للتبذير أثناء النقل والخزن والاستهلاك. إذا اعتبرنا أن تبذير المواد الغذائية في الولايات المتحدة الأميركية يبلغ 30 بالمائة فان ذلك يقابله تبذير ما يقارب 400 مليار لترا من الماء سنويا أي الكمية الضرورية لتغطية حاجيات 500 مليون مواطنا من الماء.
وساهمت هيمنة النظام الغذائي للولايات المتحدة الأميركية الغني بالحليب ومشتقاته واللحوم في هذا التبذير.
يلاحظ السيد Miguel Altieri الخبير الدولي والأستاذ بجامعة كاليفورنيا أننا ننتج ضعف كمية الطعام التي نحتاجها. تراكم الإنتاج تقابله موجة من التبذير خصوصا في البلدان المصنعة والمدن الكبرى واستفحال ظاهرة المجاعة في مناطق أخرى من العالم.
تبلغ كمية المواد الغذائية التي يقع تبذيرها في الولايات المتحدة الأميركية 48 مليار من الكيلوغرامات سنويا أي 27 % من الكمية المتوفرة. كل عائلة تبذر 40 كيلوغراما من الطعام في السنة.
أما في بريطانيا فتبلغ كلفة المواد الغذائية التي يقع تبذيرها سنويا 30 مليار يورو أي 5 مرات أضعاف الإعانة التي يقدمها هذا البلد و يمكن لهذا الطعام أن ينقذ 150 مليون مواطنا من المجاعة.
وحسب مؤسسةwaste and resource action programme أنه يقع إلقاء مليون و300 ألف علبة لبن يوميا. لكن التبذير لا يتوقف على البلدان المصنعة.
فهذه الجزائر التي تستورد القموح: 2.5 مليون طن من القمح اللّين و500 ألف طن من القمح الصلب: أرقام سنة 2007 ) تلقي الخبز المدعّم في القمامة وفي أكياس البلاستيك. كذلك هي الحال بالنسبة لتونس حيث أثبتت الدراسات في سنة 2008 أن ما بين 30 و40 بالمائة من الخبز يقع تبذيره وإلقاءه في القمامة أو يستعمل كغذاء للماشية.
في الكويت تثبت الدراسات الرسمية أن ما يلقى في القمامة من الطعام يبلغ 45 بالمائة من حجم القمامة.
في مدينة الرياض خلصت أمانة هذه المدينة إلى أن كل فرد يلقي يوميا 1.060 كيلوغراما من الطعام في القمامة وهذا رقم قياسي عالمي مقارنة بالبلدان الأخرى.
أخيرا، لا ننس أيضا كميات المواد الغذائية التي يقع التخلص منها في البلدان المصنعة وذلك كلما تجاوز الإنتاج الحصة المسموح بها والتي على كل منتج عدم تجاوزها وذلك للحفاظ على الأسعار.
وكلما تراكمت الفضلات من الطعام في القمامة إلا واستفحلت المجاعة وسوء التغذية لا فقط في بلدان الجنوب وأفريقيا بالأخص ولكن حتى في بعض أوساط البلدان المصنعة. فلقد ظهرت مجموعات مختصة في فرز مكونات القمامة للبحث عن الغذاء و أصبح مشهد المشردين والمهمشين وهم يغوصون في القمامة بحثا عن فضلات الطعام طبيعيا.
رغم أن وسائل حفظ الطعام وتبريده قد تطورت وتعدّدت فلقد استفحلت ظاهرة تبذير الطعام. هذا مظهر من مظاهر عولمة الغذاء والطعام وهو ليس الوحيد. التبذير نتيجة مباشرة للتصنيع المكثف للزراعة وهيمنة الصناعة الغذائية وهيمنة التجارة الدولية على قطاع الزراعة وتعميم الغذاء الصناعي

0 comments:

Post a Comment